علي الرغم من البساطة التي اتسمت بها الإدارة الإسلامية، في عهد الرسول، إلا أنها وضعت للمجتمع الإسلامي نواة التنظيم الإداري، الذي سار علي نهجه الخلفاء الراشدون الذين أضافوا إلي هذا التنظيم ما وجدوه ضرورياً، وما أملته عليهم ظروف حياتهم، وما اجتهدوا فيه من أجل مصالح الأمة.
النظام الإداري في عهد أبي بكر الصديق:
كان النظام الإداري للدولة الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه (11-13هـ/632ـ634)، امتدادا للنظام الإداري في عهد النبي، إلا أن بعض عمال رسول الله (ص) أبوا أن يعملوا لغير رسول الله (ص)، ولذلك فقد سار الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في النظام الإداري في الدولة الإسلامية على نفس النهج الذي كان سائداً في عصر النبوة.
ـ كتابــــــــه :
كان عثمان بن عفان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم يكتبون لأبي بكر الصديق، وكان يكتب له أحيانًا من يكون حاضراً من الصحابة كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ـ قضـــاته:
تولي الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه القضاء، وظل لمدة عامين لم يأتيه متخاصمان لما عُرف عنه من الشدة والحزم والعدل الذي كان يسود الدولة الإسلامية في مرحلتها الأولى.
ـ عامله على بيت المال:
أقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه صاحبه أبو عبيدة بن الجراح علي المال.
ـ أما مجلس شوراه:
كان مجلس شورى أبو بكر الصديق رضي الله عنه يتكون من الفاروق عمر بن الخطاب، وذي النورين عثان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت.
ـ وأما عماله رضي الله عنهم فمنهم:
كان عتاب بن أسيد والياً لأبي بكر الصديق على مكة المكرمة، وعثمان بن أبي العاص والياً على الطائف، والمهاجر بن أمية والياً على صنعاء باليمن، وزياد بن لبيد والياً على حضرموت، ويعلي بن أمية والياً على خولان، والعلاء الحضرمي علي زبيد باليمن، ومعاذ بن جبل علي الجند، وعبد الله بن ثور علي جرش (باليمن وجرش بالأردن).
ـ وكانت أجناد الإسلام (جند الإسلام):
علي أيامه في الشام وقوادهم أبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وقواد المسلمين في العراق عياض بن غنم الفهري، وكان خالد بن الوليد القائد العام علي جميع الأجناد.
2- في عهد عمر بن الخطاب (13-23هـ/634ـ644م):
أ ـ التنظيم الإداري:
من حيث التنظيم الإداري في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (13-23هـ/634ـ644م)، فقد اهتم الفاروق بتنظيم الدولة إدارياً، خاصة وأن الفتوحات الإسلامية قد أدت إلى امتداد رقعة الدولة الإسلامية في عهده، واتسعت إتساعاً كبيراً.
ولقد أبقي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب النظم الإدارية التي كان معمولاً بها في البلاد المفتوحة، حتي لا يسبب أية اضطرابات في شئون هذه البلاد الداخلية، ويرجع السبب في ذلك إلى أن العرب الفاتحين لم يكن لهم من النظم الإدارية أو المالية ما يمكنهم من إحداث التغيير في نظم هذه البلاد المفتوحة التي سادت فيها النظم الفارسية (في بلاد فارس)، والرومية (في بلاد الشام)، والرومية والقبطية (في مصر).
حقيقة أن العرب قد أحدثوا بعض التغييرات البسيطة في بعض هذه النظم، ولكنها كانت ضرورية لتتمشي مع روح الإسلام، ومع مصلحة أهالي البلاد المفتوحة أنفسهم.
ب ـ الجهاز الحكومي :
أبقي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه علي الجهاز الحكومي في البلاد التي فتحها المسلمون، وبقيت الدواوين كما هي وإن كان قد حدث فيها بعض التعديلات، وبقي عمالها الذين لم يغادروا البلاد إبان الفتح العربي الإسلامي لدرايتهم بأعمالهم، وسمح لهم بالكتابة في سجلاتهم ودفاترهم بلغة بلادهم، فكانت دواوين الشام يكتب فيها بالرومية، ودواوين فارس بالفارسية، ودواوين مصر بالقبطية والرومية معاً.
ج ـ التقسيمات الإدارية :
لما اتسعت رقعة الدولة العربية الإسلامية قام عمر بالخطاب في سنة 20هـ/641م بامصير الأمصار وتجنيد الأجناد، وقسم رضي الله عنه البلاد أقساماً إدارية حتى يسهل إدارتها، والإشراف على موارد ثروتها، كما أقر عمر بن الخطاب رضي الله عنه النظم الفارسية فيما يختص بالتقسيمات الإدارية:
· ففي بلاد العراق وفارس أبقي التقسيمات الإدارية التي كانت معروفة آنذاك، وكانت هذه التقسيمات تعرف “بالرساتيق”، بمعني حي أو قرية.
· كما أبقي علي التنظيمات والتقسيمات البيزنطية التي كانت موجودة في بلاد الشام وكانت تعرف “بالبنود أو الثغور” وعرف هذ النظام باسم “الأجناد”.
· كما أبقي علي التقسيمات الإدارية التي كانت موجودة في مصر وكانت تعرف باسم “الكور” ومفردها كورة وهي لفظة يونانية Curior ومعناها المركز.
· كما أقر وظيفة المشرف علي مالية الكورة “المركز” المعروفة باسم “الجسطال” وهي تقابل وظيفة عامل الخراج.
ـ التنظيمات الإدارية:
شهد عصر الفاروق عمر رضي الله عنه بعض التنظيمات الإدارية المتنوعة، حيث وضع أساس بيت المال ونظم أموره، وكان يعس ليلاً ويرتاد منازل المسلمين ويتفقد أحوالهم، وكان يراقب المدينة المنورة ويحرسها من اللصوص والسراق، كما كان يراقب أسواق المدينة، وكان يجلس للقضاء بين الناس حيث أدركه الخصوم، وهو في هذا كله يتأسى بسنة الرسول (ص) .
هـ ـ تمصير الأمصار :
بعد أن استقرت أمور الفتح واتسعت أرجاء الدولة الإسلامية، قام عمر بن الخطاب في سنة 20هـ/640م بتمصير الأمصار وتجنيد الأجناد حتي يسهل إدارتها والإشراف علي مواردها.
· فقسم العراق إلي ولايتين كبيرتين هما الكوفة والبصرة وما يتبعهما من رساتيق.
· وقسم بلاد فارس فكانت تضم إقليم الأهواز (الأحواز)، وسجستان، وكرمان، ومكران، وطبرستان، وخراسان، بالإضافة إلي البحرين.
· وقسم بلاد الشام إلي دمشق، وحمص، والأدرن، وفلسطين.
· وقسم مصر إلي ثلاثة ولايات، مصر العليا، ومصر السفلي، وإقليم الصحراء الواقع غرب مصر ممتداً إلي ليبيا.
وقد لعبت تلك الأمصار دوراً هاماً في الحياة السياسة للدولة العربية الإسلامية، إذ أصبحت مراكز إمدادات بشرية وعسكريللفتوحات الإسلامية، ثم تحولت بعد ذلك إلى مراكز علمية وحضارية، وأسواقاً دولية للتجارات المختلفة.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي وطد العلاقة بين الحكومة المركزية في المدينة المنورة، وبين الولاة في الأقاليم والولايات والأمصار التابعة للحكومة في المدينة المنورة.
1 ـ في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه (24ـ35هـ/644ـ655م):
شهدت المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه بعض التنظيمات الإدارية المحدودة، ومع ذلك كانت على درجة من الأهمية، فقد تحول العسس الليلي إلى نظام له قواعد وأصول ومهام محددة وهو نظام الشرطة، ومع ذلك يمكن القول بأن الأوضاع الإدارية في عهد ذي النورين عثمان بن عفان سارت كما كانت عليه في عهد الفاروق عمر رضي الله عنهما، وربما يرجع السبب في محدودية الإضافة إلى النظم الإدارية إلى اضطراب الأمصار والأقاليم والظروف السياسية التي مرت بها الدولة الإسلامية، وانتهت بمقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 35هـ/655.م.
2 ـ في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه (35ـ40هـ/655ـ660م):
اهتم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالتظيمات الإدارية في الدولة الإسلامية، ويظهر ذلك من خلال خطبه ووصاياه لعماله وولاته على الأقاليم والأمصار التابعة للدولة الإسلامية، فقد كان شديداً في الحق، ويعدل في الرعية، فقد جاء في الكتاب الذي وجهه إلى الأشتر النخعي حين ولاه حكم مصر، هذا الكتاب الذي يُعد كتاباً جامعاً في أصول السياسة والحكم والإدارة، وكيفية وضع الأسس والقواعد التي يجب أن تُحكم بها الأمة، كما وضح في هذا الكتاب طريقة معاملة أهالي البلاد المفتوحة، كما رسم للمسلمين الطريق الذي يربط الحاكم بالمحكومين، وقدم في هذا الكتاب النصح للولاة والساسة بضرورة الحكم بما أنزل الله تأكيداً لما جاء في كتاب الله، وسنة رسول الله (ص) .
ومما جاء في هذا الكتاب:
ـ العمل على جباية الخراج، وجهاد الأعداء، والرفق بالرعية وعمارة البلاد.
ـ كما أمره بتقوى والله وإثار طاعته.
ـ الأمر بإنصاف الناس ـ خاصة من أهل العامل أو الوالي ـ وعدم ظلمهم.
ـ كما حذر الولاة والعمال من بطانة السوء ومصاحبة الأشرار.
ـ كما أعلمهم بأن الرعية طبقات ولا يستغني بعضهم عن بعض، فمنهم جنود الله، ومنهم أهل العدل، ومنهم عمال الإنصاف والرفق، ومنهم أهل الجزية والخراج من أهل الذمة، ومنهم الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة.
ـ كما ألزمهم بتفقد أحوال الرعية، وبث العيون من أهل الصدق والوفاء، وذلك لحسن الأمانة والرفق بالرعية.
ـ أمره بعمارة الأرض والبلاد حتى يتمكن من جمع الخراج، ومن طلب الخراج بغير عمارة البلاد أضر بالبلاد، وأهلك العباد.
ـ أن يقيم الصلاة مع المسلمين وأن يترفق بهم في الصلاة فيصلي بصلاة أضعفهم.
ـ كما طلب من العمال والولاة بعدم الاحتجاب والابتعاد عن الرعية، فإن الاحتجاب والبعد عنهم شعبة من الضيق، وعدم علم بالأمور.
ـ كما طلب منهم بعدم التعالي على الرعية، والسطوة عليهم، وعدم الظلم.
وإذا نظرنا في تلك التنظيمات الإدارية التي وضعها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، نجدها دستوراً في الإدارة، وكيفية قيام الصلة بين الحكومة وولاتها وعمالها، ودرس لعمال الأقاليم في أنحاء الدولة الأسلامية، وعظة للقائمين على شئون المسلمين وغير المسلمين.
كما تعد تلك النصائح التي وجهها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، آداب في كيفية إدارة شئون الأمة، وذوق في التعامل مع الرعية بما يضمن مصالح الكافة من الناس، وبما ييشمل مصالح العامة والخاصة من المسلمين وغير المسلمين، ممن يعيشون في كنف الدولة الإسلامية.