الموارد المالية لبيت المال في الدولة الإسلامية
تعددت الموارد المالية لبيت المال في الدولة الإسلامية، وتمثلت تلك الموارد في الزكاة، الجزية، الخراج، العشور، الفئ، الغنيمة
1- الزكاة:
الزكاة هي المورد الأول لبيت المال في الدولة الإسلامية، والزكاة هي مال مخصوص (صدقة أو زكاة)، يؤخذ من مال مخصوص (وهي الأنواع التي يجب عليها أداء الزكاة)، ويعطى لجماعة مخصوصة (مصارف الزكاة)، ويقال عن الزكاة صدقة والصدقة زكاة، وهي مطهرة للأموال، والزكاة حق المال يؤديه المسلمون من ذوي اليسار ليطهروا به أموالهم ويزكوها، وهي حق الفقير في مال الغني الذي وهبه الله مالاً وثروة، إذا بلغ النصاب الشرعي وحال عليه الحول، والزكاة فريضة واجبة على الأغنياء تجاه الفقراء، وهي أحد الأركان الخمسة في الإسلام، وقد نص القرآن الكريم في آيات كثيرة على ضرورة أدائها وعدم التخلي عنها، ومانع الزكاة يعذب بها.
* أنواع الزكاة:
- زكاة المال: مقدراها أن يدفع المسلم الغني ربع العشر (2.5%) من قيمة ما يمتلكه من أموال إذا بلغ النصاب الشرعي وحال عليه الحول، وتؤدى مرة واحدة في السنة.
- زكاة السوائم أو الحيونات: أما زكاة السوائم (الحيوانات)، فكانت تحدد حسب الشرع وحسب ما يمتلكه الفرد من أعداد الحيوانات ونوعها، فزكاة الإبل تختلف عن الماشية كالإبل البقر والجاموس، وكذلك عن الغنم والماعز، وتؤدى في كل سنة مرة واحدة.
- زكاة الزروع والثمار: ويوجب أدائها عند نضجها وحصادها لقوله تبارك وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}. وزكاة الزروع والثمار يجب فيها العشر (10%) إذا كانت الأرض تروى بالراحة (المطر مثلاً أو رياً مباشراً بدون استخدام الآلة)، ونصف العشر (5%) إذا كان الري بالآلة (الدلو أو السواقي والآلات مثلاً).
- زكاة المعادن أو الركاز: أما زكاة المعادن أو الركاز (وهو شرعاً مال تحت الأرض مثل المعادن والكنوز التي وضعها الكفار تحت الأرض)، فإذا كان الركاز في أرض الحرب ففيه الخمس، وإذا كان في أرض السلم (أرض الإسلام) ففيه الزكاة وهو ربع العشر (2.5%).
2 – الجزية:
هي ضريبة يدفعها أهل الذمة (اليهود والنصارى) في مقابل حمايتهم والدفاع عنهم، وفي نظير إعفائهم من الخدمة العسكرية، وكانت الجزية تسقط عمن اعتنق الإسلام، وتجب الجزية على أهل الذمة والمجوس والعجم، كما تجب الزكاة على المسلمين.
والجزية واجبة على الرجال الأحرار العقلاء الأصحاء القادرين على الكسب والعمل فقط، ولا تؤخذ من مسكين أو فقير أو معدم أو أعمى أو مقعد، أو مجنون، كما يعفى من الجزية الشيوخ الكبار، والقساوسة والرهبان في الكنائس والأديرة، وكذلك النساء والأطفال والعبيد.
وقد نص القرآن الكريم علي ضرورة جباية الجزية من أهل الذمة فقال سبحانه وتعالي: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }.
وقد قبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الجزية من يهود ونصارى الشام وكان على كل واحد منهم أربعة دنانير، ومن أهل اليمن وهم من العرب وعلى كل واحد منهم دينار، كما أن صاحب أيلة ( إيلات) وأهلها دفعوا الجزية بعد أن صالحهم النبى (صلى الله عليه وسلم) على ذلك بعد غزوة تبوك في سنة 9هـ/630م، وكانت جزيتهم حوالى 300 دينار، وكان على الجزية عبد الله بن الأرقم.
وأرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خالد بن الوليد إلى أكيدر صاحب دومة الجندل (بالقرب من دمشق)، وكان نصرانيا فحاربه خالد وأسره وأتى به إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فحقن دمه وصالحه على دفع الجزية، كما قبل أبو بكر الصديق رضى الله عنه جزية أهل الحيرة، فقد صالح خالد بن الوليد أهلها على الجزية وبعث بها إلى المدينة المنورة، وكانت تلك الجزية أول جزية أتى بها المسلمون من العراق.
وعن جباية الجزية فقد أوصى الشرع وقادة الإسلام بالرفق والإنصاف عند جبايتها من أهل الكتاب، وصيانة أرواحهم وأموالهم من عبث الجباة والولاة، فكان الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم يتحرون العدالة والرفق بأهل الذمة عند جباية الجزية، واشتدوا على عمالهم وراقبوهم وحاسبوهم، وتنص القواعد الفقهية ودستور الدولة الإسلامية فيما يتعلق بطريقة أخذ الجزية من دافعيها، بأنه لا يضرب أو يحمل على دفع الجزية، وألا يقوم فى الشمس، ولكن يرفق بهم ومن الممكن أن يحبسوا حتى يؤدوا ما عليهم من ضريبة.
فيروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر على باب قوم وعليه سائل يسأل ( وهو شيخ كبير ضرير البصر) فضرب عمر عضده من خلفه، وقال له: من أى أهل الكتاب أنت ؟ فقال الرجل: يهودى، قال عمر: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال الرجل: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذه عمر بن الخطاب بيده وأعطاه شيئاًَ من منزله، ثم أرسل إلى خازن بيت مال المسلمين يقول له: انظر هذا وضربائه ( أشباهه وأمثاله) فو الله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته وتركناه يهلك عند الهرم، إنما الصدقات للفقراء والمساكين، وهذا من مساكين أهل الكتاب، ووضع الخليفة عمر الجزية عنه وعن أمثاله الجزية.
وعن مقدار الجزية فتكون 48 درهماً فى السنة للأغنياء والموسرين، 24 درهماً فى لمتوسطى الدخل، 12 درهماً فى السنة على المحتاج والعامل القادرين على الكسب والعمل.
وقد اهتم الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم وبعض خلفاء بنى أمية بضمان العدالة عند جباية الجزية، واشتدوا مع عمالهم وراقبوهم وحاسبوهم على ضرورة الرفق بأهل الذمة ومعاملة أهالى البلاد المفتوحة معاملة حسنة وطيبة حفاظاً على ذمة وعهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
3- الخراج:
هو مقدار معين من المال أو الحاصلات يُفرض على الأرض الزراعية التى فتحها المسلمون، إذا عدل الخليفة عن تقسيمها على المحاربين ووقفها على مصالح المسلمين، بعد أن يعوض المحاربين عن نصيبهم فيها أو يسترضيهم، ويؤخذ الخراج أيضاً عن الأرض التى أفاء الله بها على المسلمين فملكوها وصالحوا أهلها على أن يتركوهم فيها نظير خراج معلوم يؤدونه إلى بيت مال المسلمين.
وكان الخراج إما شيئاً أو مقدراً من مال أو غلة، وإما حصة معينة مما يخرج من الأرض، ويتوقف مقداره حسب جودة الأرض، ومساحتها، ونوع المحصول المنزرع، ووفرته ومقدار، ومدى توفر مياه الرى، ويخرج فى كل سنة بمقدار محدد ومعلوم، ولم يكن الخراج إيرادا ثابتاً للدولة، إذ كانت ضريبة الأرض (الأطيان) تقل أو تكثر حسب الاهتمام بالتعمير وإصلاح الأراضي والجسور والخلجان وتحسين وسائل الرى والصرف.
وكان الخلفاء فى الدولة الإسلامية يعينون عمالاً مستقلين عن الولاة والقواد، لجباية الخراج فيدفعون أرزاق الجند وما تحتاج إليه مصالح البلاد من المرافق العامة، ويرسلون الباقى إلى بيت مال المسلمين سواء فى المدينة المنورة ( عاصمة الإسلام فى أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم) والراشدين رضوان الله عليهم) ، أو إلى دمشق ( عاصمة الأمويين) ، أو إلى بغداد ( عاصمة العباسيين)، ليصرف فيما يخصص له.
وكان الخلفاء يتشددون فى محاسبة عمالهم على ما يرسلونه من الخراج، وإذا كان عمر بن الخطاب قد قاسم عماله أموالهم لدى اعتزالهم، إذ وجدهم حازوا ثروات كبيرة إبان ولايتهم وعملهم، نجد أن الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان ( 65- 86هـ/684ـ 705م) كان يتولى استجواب عمال الخراج فى دار خاصة بهم عرفت بدار الاستخراج، وأحيانا كان يلجأ إلى تعذيب عمال الخراج ليتبين حقيقة موقف الوالى والعامل مالياً.
4- العشور:
يقصد بنظام العشور فى النظام المالى الإسلامى، بأنه عبارة عن مقدار معين من الضرائب أو الرسوم (الجمارك)، التى كانت تحصلها الدولة الإسلامية من التجار المسلمين، وكذلك من تجار أهل الحرب ( أى الكفار الذين ليس بينهم وبين المسلمين عهد)، وكذلك من تجار أهل الذمة من اليهود والنصارى المارين بتجارتهم على ثغور وموانى المسلمين.
وقد أُستحدث نظام العشور فى عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفرض بأن يدفع أهل الحرب (الكفار الذين ليس بينهم وبين المسلمين عهد) العشر (أى 10% من قيمة تجارتهم)، ومن أهل الذمة (من اليهود والنصارى) نصف العشر ( 5%)، وعلى التاجر المسلم ربع العشر (2,5%) ، وكانت العشور تجبى مرة واحدة فى السنة، وكان عمال العشور يجبونها كلما مر عليهم التجار، فشكوا أمرهم إلى الخليفة عمر الفاروق، فأمر ألا تحصل العشور إلا مرة واحدة فى الحول (أو في السنة) .
5 – الغنيمة:
الغنيمة هى كل مال أصابه المسلمون من عساكر أهل الشرك عن طريق الحرب والقتال والقهر والغلبة من متاع وسلاح ونحوه، وقد بينت الآية الكريمة الغنيمة في قوله تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
والغنيمة مثل: الأسرى: وهم الرجال المقاتلون الذين يقعون فى الأسر، والسبى من الغنائم: وهم النساء والأطفال الذين يقعون فى أيدى المسلمين، ولا يجوز قتلهم إن كانوا من أهل الذمة، وإنما كانوا يقسمون في جملة الغنائم، أما إن كانوا من غير أهل الذمة فيجوز أن يسترققن (أي يكونوا من الرق)، الأراضى: التى تقع فى حوزة المسلمين، والأموال من الغنائم: كالماشية والمال، الركاز: المعادن والكنوز التى يدفنها أهل الشرك تحت الأرض أو توجد فى الأماكن التى أخذها المسلمون كالذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص وغيرها، والأسلاب من الغنائم: مثل ملابس القتلى من أهل الشرك، ودوابهم، وأسلحتهم.
وكانت أول غنيمة غنمها المسلمون هى ما أصابته سرية عبد الله بن جحش عند نخلــة (بين مكة والطائف)، وكانت فى شهر رجب سنة 2هـ/ 623م، من عير كانت لقريش كانت تحمل زبيباً وأدماً (الأدم الجلد وقيل في الأدم هو الطعام) وتجارة من تجارة قريش.
ويذكر ابن هشام فى كتابه السيرة النبوية بأن عبد الله بن جحش قال لأصحابه: إن لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) مما غنمنا الخمس، وكان هذا قبيل أن يفرض الله سبحانه وتعالى الخمس من المغانم، فعزل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) خمس العير التى غنمها وقسم الباقى بين أصحابه.
وفى غزوة بدر سنة 2هـ/623م انتصر المسلمون وغنموا غنائم كثيرة من المشركين، ولكن المسلمين اختلفوا فى تقسيمها، فلم تخمس غنائم بدر.
ولما أجلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يهود بنى قينقاع عن المدينة المنورة وغنم المسلمون أموالهم قسمها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفق القانون القرآنى وكانت بذلك أول غنيمة تخمس فى الإسلام.
6 – الفيء:
الفيء هو كل مال وصل إلى المسلمين من المشركين بغير قتال أو حرب، وقد ذكر الفئ فى القرآن الكريم، حيث قال سبحانه وتعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، ويقسم الفيء كما تقسم الغنيمة.